-->

أعواد السبانخ - قصة قصيرة

أعواد السبانخ - قصة قصيرة


    انتفضت في الدار كالمحمومة, تسعى هنا وهناك, دون جدوى, كانت تعرف -مسبقا- نتيجة بحثها، لكن صورة أطفالها تشد من آزرها وتقوى عزيمتها, كما أن البحث في حد ذاته كان يبعد شبح اليأس الماثل أمام عيناها ..
    انهت بحثها سريعا, فالدار صغيرة شبه خاوية, والنتيجة؛ لا طعام, لا يوجد ما يؤكل..  مشت إلى الباب الخارجي كالمترنحة، تصم أذنيها عن آنيين الجياع بالداخل, وأمام الباب أومأت برأسها نافية حيال نظرات زوجها المتسائلة, القابع في العراء والبرد, فطأطأ برأسه باكيا ..

    تحوم الأطفال الجوعى حول صدر الأم, الملاذ الدافئ الأخير, فيما قبعت كبراهم ذات العشرة أعوام تحت قدمي أمها, تفرك كفيها ببعضهم لدرء البرد, وان كان الجوع في أمعائها يشد من آزر البرد ويقويه.. تطلعت إليها أمها بأحداق دامعة ومالت نحوها قائلة بصوت هو للهمس أقرب:

    - لما لا تذهبي, وتبحثى لأخوتك عن آي شئ يؤكل ؟
    وابتلعت ريقها وأضافت :

    - أبحثي بجوار سكة القطار ..

    جاوبتها الفتاة بأن هبت واقفة, أجالت البصر في وجوه أمها وأخوتها الصغار الذين يصرعهم الجوع , قبل أن يبتلعها الظلام خارج باب الدار ..

    جدت الفتاة الصغيرة السير على طول مسار الخط الحديدي للقطار, الذي مازالت تدهش حتى اليوم لمرآه يعبر من أمامها بثقله، صخبه ودخانه قبل أن يغيب عن ناظريها, قاطعا الولاية نحو الغرب..

    على طول السكة الحديدية , امتدت الطريق أمامها جرداء, لا شئ بها يصلح للطعام, لا شئ إلا الأعشاب الضارة التي لا تسمن ولا تغنى من جوع , فشدت السير للأمام, أسرع وأسرع, وأسرع ..
     
    أعواد السبانخ، قصة، قصيرة

     إقرأ ايضأ: مقالات عن السينما

    السفارة فى العمارة

    Real Steel

    من المؤكد أن الله يحبها, الله الذي حدثتها أمها عنه كثيرا , يحبها أكثر من آي وقت مضى.
    هذا ما مر بخاطرها, وهى ترنو ببصرها إلى حزمة من أعواد "السبانخ" الندية وقفت مزهوة خارج سياج أحدى المزارع تتطلع نحو السماء, فدمعت عينا الفتاة وهى تتطلع إليها في غبشة الفجر, ثم ترجع البصر إلى أقدامها المتقرحة بفعل المشي حافية طوال الليل, والآن - وقد تناست جوعها وبردها وآلامها - كان حبها وشكرها لله يفوق حدود خيالها البكر ..

    *******


    رغم أن الجمع استمات حولها , يقودونها لداخل المزرعة إلا أن قبضتي يديها الصغيرتين ظلتا محكمتين حول حفنة أعواد السبانخ التي اقتطعتها من خارج سور المزرعة , وأضطرم وجهها الفقيرحال سماعها كلمات: لصة, سارقة, كلاب ...
    حاولت قول شئ ما, ألا أن ظهورالسيد صاحب المزرعة ألجم لسانها تماما.. تعلق بصرها في ذعر بالسيد الواقف أمامها , يستمع من الأهالي كيف أمسكوا بها وهى تسرق من المزرعة, وأعواد السبانخ في يدها هي الدليل.. عبثا حاولت أن تفهمه وتفهمهم أن الأعواد التي اقتطفتها كانت- بالفعل - خارج سور المزرعة, ولكن هيهات ...
    تقدم منها "السيد" وبكف عامرة هوى على وجهها بصفعة؛ أرتج لها كيانها كله, وأسقطت أعواد السبانخ من كفيها, تبعها ببصقة – اختلطت بالدمع والدم على وجهها - وهو يقول مزدريا :
    - ســارقة حقيرة ..وألتفت إلى الجمع حوله بنظرة نارية , وأضاف بنبرة باردة :

    - أقطعوا أصابع يدها اليمنى عقابا لها على سرقتها من مزرعتي ..

    تكأكأ الكل حولها , اقتادوها خارج البيت , وبداخلها كان البرد والجوع والخوف والذعر, نصال تمزق أحشائها, وتعبث في صدرها الصغير. تقدم منها أحدهم, تناول كف يدها اليمنى فاردا إياها على نطع خشبي كبير, وبينما يده الأخرى الطليقة ترتفع عاليا بالنصل, راحت هى تتساءل أن كان الله موجود حقـــــــا .







    حازم سويلم
    @مرسلة بواسطة
    كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع شاى بلبن .

    إرسال تعليق